سورة الفرقان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا} رسولا ينذرهم، ولكن بعثناك إلى القرى كلها، وحملناك ثقل النذارة جميعها، لتستوجب بصبرك عليه ما أعددنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة. {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم. {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} أي: بالقرآن، {جِهَادًا كَبِيرًا} شديدًا. {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} خلطهما وأفاض أحدهما في الآخر، وقيل: أرسلهما في مجاريهما وخلاهما كما يرسل الخيل في المرج، وأصل المرج: الخلط والإرسال، يقال: مرجت الدابة وأمرجتها إذا أرسلتها في المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء، {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} شديد العذوبة، والفرات: أعذب المياه، {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} شديد الملوحة. وقيل: أُجاج أي: مرّ {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} أي: حاجزًا بقدرته لئلا يختلط العذب بالملح ولا الملح بالعذب، {وَحِجْرًا مَحْجُورًا} أي: سترًا ممنوعًا فلا يبغيان، ولا يفسد الملحُ العَذْبَ. {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ} من النطفة، {بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} أي: جعله ذا نسب وصهر، قيل: النسب ما لا يحل نكاحه، والصهر: ما يحل نكاحه، فالنسبُ ما يوجب الحرمة، والصهرُ ما لا يوجبها، وقيل:- وهو الصحيح-: النسب: من القرابة، والصهر: الخلطة التي تشبه القرابة، وهو السبب المحرم للنكاح، وقد ذكرنا أن الله تعالى حرم بالنسب سبعًا وبالسبب سبعًا، في قوله: {حُرّمتْ عليكم أمهاتُكم} [النساء- 23]، {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}.


{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يعني: هؤلاء المشركين، {مَا لا يَنْفَعُهُمْ} إن عبدوه، {وَلا يَضُرُّهُمْ} إن تركوه، {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} أي: معينًا للشيطان على ربه بالمعاصي. قال الزجاج: أي: يعاون الشيطان على معصية الله لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان. وقيل: معناه وكان الكافر على ربه ظهيرًا، أي: هينًا ذليلا كما يقال الرجل: جعلني بظهير، أي: جعلني هينًا. ويقال: ظهرت به، إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} أي: منذرًا. {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على تبليغ الوحي، {مِنْ أَجْرٍ} فتقولوا إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه فلا نتبعه، {إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} هذا من الاستثناء المنقطع، مجازه: لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالإنفاق من ماله في سبيله فعل ذلك، والمعنى: لا أسألكم لنفسي أجرًا ولكن لا أمنع من إنفاق المال في طلب مرضاة الله واتخاذ السبيل إلى جنته. {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} أي: صل له شكرًا على نعمه. وقيل: قل: سبحان الله، والحمد لله. {وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} عالمًا فيجازيهم بها. {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} بالرحمن. قال الكلبي: يقول فاسأل الخبير بذلك، يعني: بما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش. وقيل: الخطاب للرسول والمراد منه غيره لأنه كان مصدقًا به، والمعنى: أيها الإنسان لا ترجح في طلب العلم بهذا إلى غيري. وقيل: الباء بمعنى عن، أي: فاسأل عنه خبيرا وهو الله عز وجل. وقيل: جبريل عليه السلام.


{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، كانوا يسمونه رحمن اليمامة. {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} قرأ حمزة والكسائي {يأمرنا} بالياء، أي: لما يأمرنا محمد بالسجود له، وقرأ الآخرون بالتاء، أي: لما تأمرنا أنت يا محمد، {وَزَادَهُم} يعني: زادهم قول القائل لهم: {اسجدوا للرحمن} {نُفُورًا} عن الدين والإيمان. قوله عز وجل: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} قال الحسن ومجاهد وقتادة: البروج: هي النجوم الكبار، سميت بروجًا لظهورها، وقال عطية العوفي: {بروجًا} أي: قصورًا فيها الحرس كما قال: {ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء- 78]. وقال عطاء عن ابن عباس: هي البروج الاثنا عشر التي هي منازل الكواكب السبعة السيارة، وهي الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، فالحمل والعقرب بيتا المريخ، والثور والميزان بيتا الزهرة، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد، والسرطان بيت القمر، والأسد بيت الشمس، والقوس والحوت بيتا المشتري، والجدي والدلو بيتا زحل، وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيكون نصيب كل واحد منها ثلاثة بروج تسمى المثلثات، فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية، والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية.
{وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} يعني الشمس، كما قال: {وجعل الشمس سراجا} [نوح- 16]، وقرأ حمزة والكسائي: {سُرُجًا} بالجمع، يعني النجوم. {وَقَمَرًا مُنِيرًا} والقمر قد دخل في السُّرْج على قراءة من قرأ بالجمع، غير أنه خصه بالذكر لنوع فضيلة، كما قال: {فيها فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن- 68]، خص النخل والرمان بالذكر مع دخولهما في الفاكهة. {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} اختلفوا فيها، قال ابن عباس والحسن وقتادة: يعني خلفًا وعوضًا، يقوم أحدهما مقام صاحبه، فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر.
يعني بالبرج: القصر.
قال شقيق: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، قال فاتتني الصلاةُ الليلةَ، فقال: أدرِكْ ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإن الله عز وجل جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكَّر. قال مجاهد: يعني جعل كل واحد منهما مخالفًا لصاحبه فجعل هذا أسود وهذا أبيض. وقال ابن زيد وغيره يعني يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب أحدهما جاء الآخر فهما يتعاقبان في الضياء والظلمة والزيادة والنقصان. {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} قرأ حمزة بتخفيف الذال والكاف وضمها من الذكر، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي: يتذكر ويتعظ {أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} قال مجاهد: أي: شكر نعمة ربه عليه فيهما.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10